طقس الوطن

كتب قصي الحلايقة - موقع طقس الوطن : قد لا تبدو 7 سنوات من العمل في هذا المجال كافية لإرضاء الجمهور، الذي يتطلع الى الكم الأكثر جمالا ً من المعلومات الجوية و، خاصة تلك التي تحتوي على مصطلحات الشتاء التي ينتظرها الكثيرون، بما فيهم أنا .. بفارغ الصبر والترقب، لكن سلبية البعض في التعامل مع الراصد الجوي تزيد الأمور صعوبة فوق صعوبة ضعف الإمكانات بالأساس وغياب الدعم لهذا القطاع، الذي تحتل مُنتجاته من الأخبار الجوية والخدمات قطاعات اعلامية واسعة في فصل الذروة. النجاح الأكبر يبدو واضحا ً في النقلة النوعية التي حدثت منذ عام 2009 بالتزامن مع افتتاح موقع طقس الوطن، الاول في فلسطين في هذا المجال، وهي التركيز الكبير على توقعات الراصد الجوي الفلسطيني من قبل الجمهور، والاستغناء التدريجي الذي حصل، عن نشرات الراصد الاسرائيلي الذي غاب صوته بشكل كبير، وكذلك عن نشرات الدول المجاورة، وبناء ثقافة الطقس تدريجيا ً وانتشارها بشكل كبير بين صفوف المواطنين، بغض النظر ان كان انتشارها سلبيا ً من خلال كثرة عدد الراصدين الهاوين، او الايجابية، من خلال وعي الموطن حول اهمية المناخ والغلاف الجوي والفوضى التي تحدث داخله والنتيجة هي العواصف والمنخفضات او حتى الجفاف وانقطاع المطر احياناً. تبدو العلاقة جميلة في ظاهرها، عنيفة في بعض الأوقات، مشحونة في أخرى، ولا تحمل أي مشاعر في شهور معينة، مثلا ً : في الشتاء، خاصة قبل وصول المنخفض الجوي، يبدو الود كبيرا ً في عيون القارئ للنشرة الجوية، طالما وصل المنخفض ولم تصدق جزء من التوقعاتً، وأقصد في " جزء " أن الدقة يجب ان تتجاوز 90%، عندها، تتشكل ردة الفعل، من الشتيمة، وحتى " البلوك " .. مرورا ً بالتعليقات المنددة والمستنكرة لخطأ الراصد الجوي وعدم دقة معلومته .. وعلى النقيض يكون هناك المواطن العاقل الذي يلعب دور الوسيط، يتفهم ماذا نعني بتنبؤات ويعذر الراصد الجوي، لكن تبقى في قلبه غصة .. يقول " كلها تنبؤات وتوقعات والله يعطيهم العافية ... بس لو ما تسرعوا " ! بعد ذلك يهدأ من لم يستقبل الثلوج او الأمطار، وتدخل العلاقة في حالة أقرب للحرب الباردة، التي تشبه الى حد ٍ ما الطاقة الكامنة، إما ان تتحول الى خير وغيث، وهذا في حالة وصول منخفض آخر وسقوط الامطار، واما ان تضرب الراصد الجوي بانتقاد لاذع في مكان آخر .. الصيف، كما الاجواء المستقرة، تستقر الاجواء بين المواطن والراصد الجوي .. لا سؤال ولا استفسار، حتى أنه أحيانا ً يُعاني شح الأصدقاء والمعارف .. ينسى أسماء المذيعين في الاذاعات المحلية ومحرري وكالات الاخبار لطول الغياب والهجر والجفاء .. ما لكم؟ أين ذهبتم؟ قد اشتقت لكم؟ أين أكواب الشاي والدعوات المتكررة بالحضور اليكم؟ ..لا حياة لمن تنادي، كلهم يسب حر الصيف، والحمد لله أنهم منشغلون به عنّه .. ربما يبلغ الراصد الجوي ذروة عمله، مع أول يوم ترتسم فيه توقعات ثلوج على خرائط الطقس، حينها ينقلب العالم الازرق " الفيس بوك " الى بلورة ثلجية .. تبدأ التحليلات، تتوارد مئات الاتصالات، البعض يُصبح لديه موعد خطبة او حتى حفل زفاف في اليوم " المفترض تساقط الثلوج به للتأكد من صحة الخبر " .. والبعض الآخر لديه موعد " سفر " ... لا أنتقد من يدعي ذلك، لأنني أتفهم حبه المفرط، وكذلك أنا .. للظاهرة الجوية التي تتساقط خلالها الثلوج .. ولكن على الصعيد الآخر، خلف الكواليس، يجلس الراصد الجوي في حيرة من أمره .. ماذا ان لم تسقط الثلوج؟ ماذا ان سقطت؟ ماذا ان تغيرت التوقعات؟ هل يجب أن اسبق بالمعلومة؟ أم ان اكون الاخير والأدق؟ ... ويمتد هذا الحوار مع النفس ساعات طويلة، تجد الراصد الجوي خلال ذلك، يمشي في الطريق ويُحدّث نفسه .. حتى أنه ينسى تناول الغداء .. وربما لا ينام ! يبدأ المنخفض وتبدأ حرب الاعصاب، خاصة أن بلادنا تعاني من عدم قوة الكتل الهوائية القطبية وربما عدم نضوجها بشكل كامل يُعطي الاطمئنان للراصد حول توقعاته .. ولا بد من المفاجآت ! وعلى الراصد الجوي هنا أن يتحلى بصبر جميل، يُحاكي الى درجة معينة صبر سيدنا ايوب عليه السلام، مع فارق التشبيه .. يجب أن يُقاوم بلباقة اسئلة المذيعين، وأن يجيب بابتسامة ولو " بالغصب " اسئلة المتابعين، ويجب أن يُصبح ماكنة كتابة، 100 رسالة هنا، 25 طلب هناك، 20 تقرير هنا .. ومع ذلك، الراصد الجوي يُحبكم، ويحب الشتاء ! التاجر، هو أكثر من يُحب خبر الثلج، في الموسم الماضي اتصل بي الكثير منهم .. " يا قصي بدكش تحكي في ثلج " ؟ أسأله : هل تحب الثلوج؟ .. يُجيب " لا يا رجل .. ما انت عارف شغلنا " ! وهنا تزداد المسؤولية، مسؤولية الكلمة، والمعلومة، والمصداقية المطلوبة لعدم ارباك المواطن، وجعله يحصل على ادق ما يمكن ان يحصل عليه، ليتمكن من التعامل الحكيم مع الحالة الجوية المُرتقبة. في كل الأحوال، يكثر الحديث، لكن الخلاصة أن الشتاء قادم، وفي كل موسم لا بد من خلل في الدقة له اسبابه المنطقية، والكاملة، لكن تأكدوا تماما ً ان سلامتكم، والحفاظ على حياتكم، وزيادة انتاجية مصانعكم وحمايتها، وزيادة انتاج المزروعات وحمايتها، هو هدفنا، ورؤيتنا بناء هذا القطاع بشكل متقاطع وتكاملي مع المواطن، والتاجر، وصاحب المزرعة، وصاحب مكتب الهندسة والمقاولات، وابراج الاتصالات وغيرها، فهذا وطن يستحق الحفاظ على ما فيه من ارواح واقتصاد وزراعة.